مجموع الأصوات: 45
نشر قبل سنتان
القراءات: 1990

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الحضارات.. أطروحتان ومفارقات

نجح هنتنغتون وتفوق في دفع الاهتمام بأطروحته صدام الحضارات، التي تحولت في تسعينيات القرن العشرين، إلى واحدة من أكثر الأطروحات سجالا وتداولا في العالم، فقد ترجمت إلى تسع وثلاثين لغة، بينما فشل أصحاب أطروحة الحضارات تتصادم من الداخل،  في لفت الانتباه إلى أطروحتهم التي ظلت بعيدة عن دائرة الضوء والاهتمام، ولم تستطع أن تحدث نقاشا وتداولا عابرا في العالم.
تفوق أطروحة هنتنغتون حصل نتيجة عوامل مركبة، منها أن هذه الأطروحة اتسمت بطابع ساخن، وأصابت العالم بوخزة، بخلاف الأطروحة الثانية التي اتسمت بطابع بارد، ومرت على العالم من دون أن يشعر بها أحد.
ومن هذه العوامل المركبة، أن أطروحة هنتنغتون احتوت على مزيج مركب من الفكر والسياسة، وجاءت متناغمة مع المزاج السياسي الأمريكي العام آنذاك، وخدمها العامل السياسي في الترويج لها، والتبشير بها.
بخلاف الأطروحة الثانية، التي احتوت على مزيج مركب من الفكر والتاريخ، وجاءت غير متناغمة مع المزاج السياسي هناك، ولم يكن العامل السياسي في صالحها من جهة الترويج لها، والتبشير بها.
ومن هذه العوامل أيضا، أن أطروحة هنتنغتون هي أقرب إلى المجال العام الذي يتصل به ويتفاعل قطاع كبير من الناس، بخلاف الأطروحة الثانية التي هي أقرب إلى المجال الخاص، والمجال الأكاديمي تحديدا، الذي جاءت منه، واتصلت به.
يضاف إلى ذلك، أن عامل الوقت خدم كثيرا أطروحة هنتنغتون، التي جاءت في ذروة مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وتحديدا ما بين سنة 1993 ونشر المقال الأول، إلى سنة 1996م وإصدار الكتاب، وهي الفترة التي كانت خصبة وحيوية وساخنة لتلقف الأطروحات الجديدة، والمثيرة منها بالذات.
بخلاف الأطروحة الثانية، التي لم يكن عامل الوقت لصالحها كثيرا، لكونها جاءت متأخرة بعض الشيء، ومتباعدة عن زمن الأطروحة الأولى بما يزيد على عقد كامل، فكتاب (الحضارات في السياسة العالمية)، الذي عبرت عنه هذه الأطروحة صدر باللغة الانجليزية سنة 2010م، ولم تكن هذه الفترة بحيوية وسخونة زمن الأطروحة الأولى.
وفي وقت لاحق، اقترب هنتنغتون بعض الشيء من الأطروحة الثانية مع كتابه (من نحن.. تحديات الهوية الوطنية الأمريكية)، الصادر سنة 2004م، الذي حاول فيه لفت الانتباه إلى التحديات الداخلية، بعد أن كان مسكونا بالتحديات الخارجية في أطروحته صدام الحضارات.
هذا الاقتراب على أهميته، لا أدري لماذا غاب عن إدراك أصحاب الأطروحة الثانية، مع أنه يقترب من أطروحتهم، وكان بإمكانهم توظيفه بما يخدم انتصار أطروحتهم، مع ذلك لم يجر التطرق إلى هذا الكتاب، وتركز النقاش، وانصب النقد على كتاب الصدام، الأمر الذي يصعب تفسيره، وخاصة من الناحيتين العلمية والأكاديمية1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 17382.