الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

طاعة اولي الامر في الاسلام 1

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... 1، وقال كذلك: ﴿ ... أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... 2.
فالآية الأولى تدلّ على من يجب على الإنسان المسلم أن يتولّاهم، وتدلّ الآية الثانية إلى من يجب على الناس أن يطيعوهم ويمتثلوا لأوامرهم وأحكامهم، ويتّضح من خلال الآيتين أنّ هناك تلازماً جلياً بين الولاية والطاعة، بحيث لا يمكن الإنفكاك شرعاً بين الأمرين، فحيث تكون الولاية تكون الطاعة، ملازمة لها من الناحية الشرعية على المستويين العقائدي والفقهي.
ومعنى الولاية على ما يقول السيد الطباطبائي "قده" في "رسالة الولاية": (هي الكمال الأخير الحقيقي للإنسان، وأنّها الغرض الأخير من تشريع الشريعة الإلهية الحقة)،وقال في معنى الولاية أيضاً: (أنّها تعني ارتفاع الواسطة الحائلة بين الشيئين بحيث لا يكون بينهما ما ليس منهما)، وهذا يعني أن يكون المطيع عارفاً لمن يطيع، وأن يكون المطاع عارفاً لماذا يُطاع، وأن يكون كلّ منهما – المطيع والمطاع – على حق في مبدأ الطاعة، والحق هو ما حدّده الإسلام في هذه المسألة المهمة والمصيرية جداً، بمعنى أن لا يكون المطيع مخالفاً للمطاع الأصل، ولا يكون المطاع مغتصباً لحق ومقام المطاع الأصل كذلك، وإلّا كانت باطلة وهي معصية بحدّ ذاتها من الطرفين وليست مورداً للقبول عند الله سبحانه وتعالى.

والطاعة وضدّها المعصية، والطوع والطاعة يعني الإذعان والإنقياد، يقال: طاع له يطوع إذا انقاد له، والعصيان خلاف الطاعة ومعناها المخالفة، والمراد بالطاعة في الآية الثانية هي طاعة الله وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وطاعة أولي الأمر، والطاعة هذه من جنود العقل التي يصعد الإنسان بواسطتها إلى منازل الأبرار ويستعد لمرافقة الأخيار كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾ 3، وطاعة أولي الأمر لم يذكرها هنا في هذه الآية لأنّ طاعتهم مأخوذة من الطاعة في الآية هي طاعة الجميع كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): (وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)) وعليه فالمعصية المقابلة للطاعة هي ترك هذا المجموع، سواء كان بترك جميع أجزائه أو بترك بعضها وهي رذيلة مندرجة تحت الجور وموجبة للدخول في النار كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ 4.
من هنا نقول بأنّ "الطاعة" هي عبارة عن تنفيذ الإنسان لكلّ ما يتوجه إليه من تكاليف صادرة عن الجهات التي تمتلك حق الإصدار، سواء فيما يعود إلى أمور الآخرة كالصوم والصلاة وغيرهما، أو بما يعود إلى أمور الدنيا كالنهي عن الكذب والغيبة والزنا والقتل وغير ذلك من الأحكام.
ولا شكّ أنّ الطاعة ترفع المسؤولية الشرعية عن الإنسان المكلَّف الذي توجّهت إليه التكاليف، وتُسقِطْ عنه العقاب الذي كان سيتعرّض له لو خالف وعصى.
ولا بدّ من إلفات النظر إلى أنّ طاعة الله هي الواجبة بالأصل، بينما طاعة غيره واجبة بأمر الله عزّ وجلّ، ولذا تكرّر لفظ "أطيعوا" في الآية للتفريق بين النوعين من الطاعة، وتبيان أنّ الطاعة لغير الله ممّن أمر بطاعتهم ليست لأشخاصهم، بل لأنّهم مؤتمنون على إيصال ما أراده الله من الإنسان من أمر أو نهي، باعتبار أنّ الإنسان يحتاج بشكلٍ دائم إلى من يوجّهه، ويأخذ بيده حتى لا تختلط عليه الأمور ولا تشتبه عليه القضايا فينحرف ويقع في طاعة من يجب عليه أن يعصيه ويخالف أمره ويخسر بذلك آخرته وقد يخسر الدنيا أيضاً، ولذا نجد أنّ أهل النار يقولون عن سبب دخولها: ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾ 5، ويطلبون من الله مضاعفة العذاب لمن أدخلهم النار فيقول عن لسانهم في القرآن: ﴿ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ 6.
من هنا ينبغي بل يجب على الإنسان المسلم الملتزم وغيره أن يعرف من يطيع وكيف ولماذا؟ وبعد التحديد لمن يطيع يجب أن تكون الطاعة كاملة غير منقوصة، لأنّ المطاع وفق موازيننا الإسلامية هو المؤتمن على الإسلام والأمة الإسلامية وهو العين الساهرة على مصالحها ومنافعها، وهو الدليل لإبعادها عن المفاسد والإنحرافات.
والذين تجب طاعتهم بعد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) هم الأئمة (عليه السلام) الذين هم "أولو الأمر" الذين ورد ذكرهم في الآيتين المباركتين، وبعدهم في زمن الغيبة الصغرى والكبرى تجب طاعة العلماء الذين هم ورثة الأنبياء (عليهم السلام) في تبليغ الإسلام والدفاع عنه، وطاعة العلماء في زمن الغيبة قد وردت في نصوص عديدة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) كالنص القائل: (مجاري الأمور بيد العلماء).
ومعنى أنّ مجاري الأمور بيد العلماء يدلّ على السلطة والحاكمية والولاية وأنّ العالم والفقيه المبسوط اليد والقادر على الحكم والإدارة، هو الفقيه الذي نسميه بـ"ولي الأمر" الذي تجب طاعته، وتحرم معصيته كالأئمة (عليهم السلام) تماماً، وأمّا الذي لم يصل إلى مستوى بسط اليد الحاكمية فهو المرجع الديني الذي نأخذ عنه الفتوى لنعمل بها في غير مجالات "ولي الأمر" إذا كان مبسوط اليد ومتلبّساً بالولاية والحاكمية.
وولي الأمر هو الفقيه الجامع للشرائط الشرعية من الإجتهاد والعدالة والتقوى والكفاءة وعدم حبّ الدنيا وفهم العصر الذي يعيش فيه والإحاطة بأموره بالطريقة التي تجعله مؤهّلاً ليقود الأمة كلّها نحو تحقيق مصالحها الدينية والدنيوية وإبعادها عن المفاسد كذلك من خلال أوامره ونواهيه وتوجيهاته وإرشاداته التي يجب على المسلمين طاعتها وعدم الإنحراف عنها أو عدم الأخذ بها، لأنّ عدم الإلتزام يعني المعصية، وهي موجبة للعقاب، وهو موجب لدخول النار كما أوضحنا فيما سبق.
ولا شكّ أنّ معصية أولي الأمر تترتّب عليها المفاسد الكثيرة التي قد تؤدي إلى انحراف الأمة عن الصراط المستقيم أو إلى وقوع الأمة في مصائب وويلات هي بالغنى عنها لو التزمت ووقفت عند حدود التكليف الصادر عن ولي الأمر، وكمثال على نتائج المعصية نورد النموذجين التاليين:
- الأول - معركة أحد – حيث تحوّل نصر المسلمين بقيادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هزيمةٍ كادت تودي بحياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لولا بسالة وشجاعة نادرتان ظهرتا من أبطال المسلمين وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والمعصية التي حصلت هي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وضع فرقة من الرماة كلّفها مراقبة وحماية ظهر المسلمين من الأعداء وأمرهم أن يبقوا في موقعهم مهما كانت نتيجة المعركة، ولكن هؤلاء عندما لاحظوا انسحاب المشركين ونصر المسلمين عصوا أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونزلوا للمشاركة في أخذ الغنائم فاستغلّ المشركون ذلك وباغتوا من تبقّى في ذلك الموقع وقتلوهم وشنّوا هجوماً من خلف المسلمين ممّا حوّل النصر إلى هزيمة كانت ستكون مؤلمة وقاسية لولا الثبات والصبر.
- الثاني – معركة صفين – عندما شعر معاوية بالهزيمة أشار عليه عمرو بن العاص بحمل المصاحف على رؤوس الرماح، وحصل ذلك ممّا أدّى إلى تضعضعٍ في جيش الإمام علي (عليه السلام) وارتباك، ممّا دفع بالإمام (عليه السلام) إلى مخاطبة جيشه والقول لهم بأنّ هذا الأمر هو خداع ونفاق وأنّ النصر صبر ساعة، إلّا أنّ أغلبية قادة جيشه قرّروا عصيان أمره وألزموه بقبول التحكيم بعد تهديده بأنّهم سيقاتلونه لو لم يقبل بإيقاف المعركة، وكان من نتائج ذلك توقف المعركة ونجاة معاوية، ثمّ بعد ذلك حصل استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) ووصل معاوية إلى موقع الخلافة الإسلامية.
من هذين النموذجين عن المعصية، نفهم مقدار أهمية وضرورة الطاعة المطلقة لولي الأمر وعدم المعارضة أو الإنتقاد، لأنّ إضعاف موقع ولي الأمر سوف ينعكس على الأمة كلّها وعلى مجريات الأمور فيها بما لا يخدم مصلحة الإسلام والمسلمين.
من كلّ ما سبق يجب أن يدرك العاملون الرساليون والمجاهدون المخلصون وأبناء الأمة جميعاً أنّ الطاعة لولي الأمر والإنسجام بينه وبينهم والتكامل معه هو الكفيل بالوصول بالأمة إلى أهدافها الدنيوية والدينية، خصوصاً إذا أخذنا بالإعتبار أنّ ولي الأمر هو النائب عن الإمام الحجة "عج" في إدارة الأمور، وأنّ مواصفاته الشرعية المطلوب تحقّقها فيه تمنعه من الخروج عن الضوابط والحدود الإسلامية في الحكم والإدارة ورعاية شؤون الأمة على كلّ المستويات.
ومن نماذج ولي الأمر في زمن الغيبة نجد سيرة الإمام الخميني المقدّس الذي أعاد المسلمين إلى دينهم وأعاد للإسلام دوره في إدارة أمور الأمة، وأنّ قيادته الحكيمة والرشيدة والواعية والمقتدرة كانت خير دليل ومثال على لزوم الطاعة المطلقة لمثل ذلك الولي الفقيه الذي أعاد إلينا صوراً زاهية عن حياة الأئمة (عليهم السلام) من حيث الزهد والتواضع والترفّع عن حبّ الدنيا والشجاعة والإقدام والإيثار في سبيل الدفاع عن الإسلام والأمة، ومن بعده نرى نموذجاً آخر لولي أمر المسلمين هو آية الله العظمى "الإمام الخامنئي" دام ظله الوارف.. الذي يقود سفينة المسلمين نحو برّ الأمان في بحرٍ متلاطم من المؤامرات والفتن التي تدبّرها القوى الإستكبارية وعلى رأسها الشيطان الأكبر "أمريكا".
فالإنسان المسلم الباحث عن النجاة في الدنيا والآخرة من خلال حفظ دينه وتوجّهاته الإيمانية عليه أن يعيش روحية الطاعة الصادقة والمخلصة والواعية والحقيقية والتي تجعل ذمّة المسلم بريئة عند الله عزّ وجلّ، وبغير هذه الطاعة لا يمكن للمسلم أن يأمن النجاة يوم القيامة خصوصاً إذا كانت معصية ولي الأمر في قضايا أساسية تتناول الأمة في حاضرها ومستقبلها وفي حرية قرارها واستقلال إرادتها، ممّا قد يؤدي إلى وقوع الأمة كلّها في يد غير المؤتمنين على دين الأمة ودنياها كما نلاحظ اليوم في الكثير ممّن يحكمون المسلمين باسم الإسلام ويدَّعون الدفاع عن مصالح الأمة، بينما الواقع هو عكس ذلك تماماً حيث جعلوا الأمة لعبة بأيدي المستكبرين والطغاة حفاظاً على عروش لا تلبث أن تتهاوى وتسقط لأنّ سُنَّة الحياة هي التي تقول ذلك وسيرة التاريخ البشري كذلك.
ونختم بذكر بعض الأحاديث عن الطاعة بشكلٍ عام مثل: (أفضل الطاعات هجر اللذات) و(أَطِع العاقل تغنم، إِعْصِ الجاهل تسلم) و(أطع العلم واعْصِ الجهل تفلح) و(طوبى لذي قلب سليم، أطاع من يهديه، وتجنّب من يرديه، وأصاب سبيل السلامة ببصر من بصَّره، وطاعة هادي أمره)، أو كما قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (أللهم صلِّ على محمد وآل محمد واجعلنا ممّن سهَّلت له طريق الطاعة بالتوفيق في منازل الأبرار)، ولا شكّ أنّ طاعة ولي الأمر تحقّق كلّ ما ورد من مضامين في هذه الأحاديث لأنّه الأمين على الأمة ودينها وهو العالم والعاقل وصاحب القلب السليم المحب للخير للمسلمين في دنياهم وآخرتهم.
والحمد لله ربّ العالمين7.