حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
في البحث عن صورتنا الثقافية.. فما هي هذه الصورة؟
عندما نريد أن نبحث عن صورتنا السياسية نحن كدولة وأمة، الصورة التي تميزنا بقدر ما عن باقي الدول والأمم الأخرى، أو تعرفنا عند هذه الدول والأمم، أو التي تعطينا قدراً من الفرادة أو الاختلاف عن غيرنا، فإن من السهولة التعرف على هذه الصورة في المجال السياسي، حيث تكشف عنها مجموع السياسات القائمة والمتراكمة منذ ما يزيد على نصف قرن. كما تكشف عنها أيضا المواقف السياسية المتحركة والمتفاعلة مع الأحداث الجارية، وطبيعة العلاقات السياسية مع الدول والمؤسسات.
وعندما نتحدث عن صورتنا الاقتصادية، فإن من السهولة كذلك اكتشاف هذه الصورة، والتعرف عليها، وعلى ملامحها ومعالمها ومكوناتها، لكونها صورة ظاهرة ومتجلية لنا وإلى العالم الذي نتفاعل معه ويتفاعل معنا. ويكشف عن هذه الصورة مجموع النشاطات والخطط والعلاقات والإستراتيجيات ذات الطابع الاقتصادي. فالجميع يعلم إننا دولة نفطية مؤثرة في اقتصاديات العالم، ولدينا مخزون نفطي كبير، الوضع الذي فرض على الجميع في أن يتعرفوا على صورتنا الاقتصادية.
وهكذا عندما نتحدث عن صورتنا الدينية، فإن هذه الصورة تكشف عن نفسها من خلال مجموع النشاطات والمؤسسات والعلاقات ذات الطابع الديني، وبحكم التفاعل والتواصل النشط والواسع مع العالم الإسلامي، ومع جميع المسلمين في مختلف أنحاء العالم الذين يأتون سنوياً إلى الحج من كل فج عميق.
لكن عندما نتحدث عن صورتنا الثقافية، ونحاول أن نتعرف على هذه الصورة في أبعادها وملامحها، حدها ورسمها، فإن الوضع في هذه الحالة سوف يختلف، وقد يتعثر. لا أعلم حقيقة رؤية الآخرين لهذه الصورة وكيف يفهمونها؟ وأين يتفقون فيها؟ وأين يختلفون؟ وما هي درجة الوضوح عندهم في تشخيص هذه الصورة وتحديدها؟ وما هي درجة الغموض عندهم أيضاً؟.
لكن الذي أراه من دون أن أكون قاطعاً، ولست راغباً في القطع أو الجزم، أن هذه الصورة ليست واضحة عندي، وأظن أنها ليس واضحة عند الكثيرين كذلك. أو لا أقل أحتمل أن هناك من يشاطرني ويوافقني على مثل هذا الرأي. أقول هذا الكلام والثقافة هي أقرب المجالات إلى نفسي، وهي الحقل الذي أوليه كل اهتمامي. مع ذلك عندما أحاول البحث عن صورتنا الثقافية أجد صعوبة في تحديد وتشخيص هذه الصورة. فهل نحن بدون صورة ثقافية فعلاً؟ أم أنها صورة موجودة لكنها غير واضحة بشكل كافي، أو أنها غير مكتملة، أو في طريقها إلى الوضوح والاكتمال؟.
يجب أن نعلم ابتداء أن الثقافة هي المجال الذي لا ينبغي التستر فيه، أو كتمان الحق فيه، فالثقافة من طبيعتها الشفافية، وهكذا ينبغي أن ننظر إليها.
فما الذي جعل هذه الصورة الثقافية ليست بذلك الوضوح، أو الاكتمال؟ هل لأن الثقافة كانت إلى عهد قريب لا يجمعها جامع، ولا يربطها رابط، باعتبار أنها كانت موزعة ومتفرقة بين الأجهزة والمؤسسات والوزارات، قبل أن تجتمع عند جهة محددة هي وزارة الثقافة؟ أم لأن مجموع النشاطات ذات الطابع الثقافي لم يكن بالقدر الكافي الذي يكون بإمكانه بلورة صورة ثقافية ناضجة ومحددة الملامح؟ أو أن هذه النشاطات أقل بكثير مقارنة بمجموع النشاطات المرتبطة بالمجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والدينية؟ أم لأنه لم تكن لنا سياسة واستراتيجية واضحة ومحددة في مجال الثقافة، على صورة الاستراتيجية التي أقرها حديثاً مؤتمر المثقفين السعوديين الأول؟ أم لأن الصورة الدينية غطت على الصورة الثقافية، أو إننا اكتفينا بالصورة الدينية، أو إننا لم نرد مزاحمة الثقافة للصورة الدينية؟
سواء اتفقنا أو اختلفنا على هذه التصورات والتحليلات، مع ذلك يبقى إننا بحاجة لأن نساهم في بلورة وصياغة صورتنا الثقافية، الصورة التي يرى الجميع نفسه فيها، وبكل ألوان الطيف لتكتسب جمالية ألوان الطيف، وأن تكون معبرة عن جميع مكونات النسيج المجتمعي السعودي، وعندئذٍ ستكون هذه هي صورتنا الثقافية، وهذا هو مصدر الثراء والتخلق في كل صورة ثقافية!
ويبقى السؤال مفتوحاً في البحث عن صورتنا الثقافية، فما هي هذه الصورة؟1
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 14410.