تقيمك هو: 1. مجموع الأصوات: 85
نشر قبل 4 سنوات
القراءات: 6260

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

المجتمع المدني و الخبرة الاسلامية

مازال الحديث يتزايد عند المثقفين والنخب الفكرية والسياسية في العالم العربي حول المجتمع المدني. الذي يتراكم الحديث حوله بصورة تفاضلية، وبالشكل الذي يمكن أن يؤرخ لهذا المفهوم كحدث فكري في الخطاب الثقافي العربي المعاصر. وهذا المفهوم كغيره من المفاهيم السائدة و الشائعة، الذي لم يتحرر من إشكالية التوظيفات السياسية والأيديولوجية، حيث زج به بطريقة عجولة ومتسارعة في المعترك السياسي قبل أن تتبلور التنظيرات المعرفية حوله، وتتحدد قاعدته الفكرية وهويته السياسية و الاجتماعية المتكيفة مع الشروط الثقافية و التاريخية للعالم العربي فالاطارالمرجعي الغربي هو مصدر النخب العربية في تحديد المعاني و الدلالات والمكونات لمفهوم المجتمع المدني حيث يرجع في تاريخيته إلى النصوص و الفلسفات السياسية لعصر التنوير الأوروبي قبل القرن الثامن عشرالميلادي وبعده فقد ارتبط بنظريات جون لوك في بريطانيا، وجان جاك روسو في فرنسا، وهيغل في ألمانيا وهذا يعني إن تطور مفهوم المجتمع المدني كان متأثرا بالتحولات التي مربها المجتمع الأوروبي في سياقاته الزمنية والتاريخية، وليس صائبا على الإطلاق هذا الحصر المعرفي والتاريخي لمفهوم المجتمع المدني بالا طار المرجعي الغربي، و التغافل أو التجاهل عن الخبرة الإسلامية في هذا الشأن على أهميتها الفائقة. وهذا ما يستدعي التعرف عليها والإشارة إليها بلمحات سريعة وموجزة بما يفيد التذكير بها و التأكيد على قيمتها. فالتطور التاريخي لنشأة وتكون المجتمع الإسلامي في عصره الأول بالمدينة، هذا التطور يكشف لنا عن حقائق أساسية تتصل بجوهر المفاهيم المكونة لشخصية المجتمع المدني القانونية و الحقوقية و الدستورية فالمجتمع الإسلامي الأول نشأ في المدينة بعد هجرة النبي محمد ( ص ) إليها، والذي يستوقف النظر هنا هو الاسم الذي وقع عليه الاختيار، وهو اسم المدينة بعد إن كانت تسمى بيثرب. ولا شك إن هذا الاختيار وثيق الصلة بماهية وجوهر مفهوم المجتمع الذي يراد تأسيسه ويعرف بذلك الاسم أي بمجتمع المدينة. كما إن هذا الاختيار له من الدلالات والرموز هي في غاية العمق والأهمية حيث تعكس عملية التحول و الانتقال في نمط المجتمع وصورته، من مجتمع البداوة أوالأعراب كما وصفهم القرآن الكريم، إلى مجتمع المدينة والتمدن والحضارة. والأمر الآخر الكاشف عن الخبرة الإسلامية في بناء المجتمع المدني هو ما يمكن أن نطلق عليه بالعقد الاجتماعي، الذي دعا إليه النبي محمد ( ص ) فيما عرف بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار والذي عزز أرضيات التوافق الاجتماعي العام، وبناء الإرادة المشتركة والفاعلة في تكوين المجتمع الجديد. من جهة أخرى إن هذا الاستعمال لتسمية المهاجرين والأنصار هو من صور الارتضاء بالتعددية الاجتماعية، ولتغيير شكل العلاقات بين الكتل والجماعات، وتبديل نظام الحقوق و المصالح والواجبات الذي ينظم العلاقات بين الجماعات المتعددة. يضاف إلى ذلك إن أول عمل قام به النبي محمد (ص) في مجتمع المدينة هو بناء المسجد الذي مثل دور المؤسسة الجامعة، ومركز التقاء الناس واجتماعهم، ومحور حركتهم ونشاطهم في مختلف مجالات حياتهم. فمجتمع المدينة كانت بدايته بالمؤسسة التي مثلها المسجد والذي نهض بوظائف كبيرة ومتعددة، دينية وعبادية، تربوية وتعليمية، تجارية واقتصادية، حربية وعسكرية. لهذا كان يقال إن الوظائف التي كان ينهض بها المسجد آنذاك، تعادل الوظائف التي تنهض بها حاليا السلطة أو الحكومة السياسية. وفي هذا السياق أيضا وضع النبي محمد (ص) كتابا وصفه الكتاب المسلمون بدستور المدينة الذي ينظم العلاقات بين جماعات المسلمين من جهة، وبينهم وبين أصحاب الديانات الأخرى كاليهود و المسيحيين الذين كانوا يعيشون في أطراف المدينة. هذا إلى جانب الكثير من التشريعات والنصوص والنظم الأخرى التي ساهمت في صياغة وبناء مجتمع إسلامي متمدن. والنظر لهذه الحقائق بمنهجيات ومنظورات العلوم الإنسانية والاجتماعية، التو صيفية والتفسيرية والتحليلية، هو الذي يضاعف من قيمتها المعرفية و التاريخية، ويضفي عليها صفة المعرفة العلمية أو المنهجية. كما من شأن هذه الحقائق أن تقدم صورة ورؤية للمجتمع المدني تغاير تماما صورة المجتمع المدني الذي ظهر و تشكل في أوروبا خلال العصور الحديثة، وهي الصورة التي تشكلت خلفياتها على أرضيات الصدام و التناقض مع المجتمع الديني المسيحي. لهذا فان الرؤية الأوروبية للمجتمع المدني تستبعد الدين وترتكز على العلمانية، بخلاف الرؤية الإسلامية للمجتمع المدني التي تنطلق من خلفية دينية و مدنية. وليس صحيحا ما يطرحه بعض المثقفين العرب في أن الإسلاميين يرفضون المجتمع المدني، ويشكلون عائقا أمام تطوره في العالم العربي، فهذه مغالطة صريحة، وطريقة خاطئة في التوظيف السياسي، و تكرس إشكاليات الصدام والقطيعة بين النخب الفكرية المختلفة. كما إن هذا الطرح ينقصه الانفتاح وتكوين المعرفة بالخبرة والمعارف الإسلامية فالمجتمع الإسلامي كان مدنيا في تأسيساته وتكويناته وهذا ما ينبغي الرجوع إليه والبدء منه1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة الوطن ـ الثلاثاء 28 أغسطس 2..1م ، العدد 333.