حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
أضرتنا الحليقة وستدمرنا الملتحية
إلى وقت قريب كان آباؤنا يتوجسون علينا من الفضائيات الحليقة، فقد راج عنها في زمن ليس ببعيد أنها غررت بالإنسان وهيجت غرائزه ودفعته للحرام، فآذى نفسه وظلم بانحرافه مجتمعه.
لقد دفعت تلك القنوات في أوائل سنوات البث الأرضي العديد من أفلام الغواية واللهو إلى واجهة الشاشات فأضرت بأخلاق الجيل، وحركت غرائزه بطريقة حيوانية، وأشعلت نار الشهوة في نفسه، لتتركه بعد ذلك بين مفترق طرق أحسنها سيئ ومقيت.
وحين تطور العلم وتمكن الناس من التعامل مع نتاجاته العلمية في ما سمي بالثورة في وسائل الاتصال والإعلام، كانت القنوات الحليقة على أتم الاستعداد للاستفادة من العلم في بث سمومها وفسادها وانحرافاتها، والسبب في سبقها واستفادتها من التكنولوجيا، هو أنها كانت موجودة على الأرض بلا منافس حقيقي لها.
يلزمني الإشارة هنا إلى أن بعضا من تلك القنوات الحليقة الأرضية (سابقا) أو الفضائية (راهنا) لها مقدار من العطاء العلمي والثقافي والإنساني لا ينكر، ولا يمكن لأي أحد أن يختصر دورها في المجون واللهو فقط، مع ما كان في أغلبها من انفلات وبعد عن قيم وعادات وتقاليد المجتمع.
كان أمل الناس وحلمهم معلقا على اللحظة التي يرون فيها البديل القوي والمناسب لتلك القنوات الحليقة، ومع أن الزمن قد طال على تفرد الحليقة بالإعلام، لكن العلم بثورته الهائلة قد يسر التكنولوجيا وجعلها متاحة للجميع، مما ساعد في وجود المنافس الحقيقي لتلك القنوات، فتكاثرت الفضائيات الملتحية مبشرة بنفسها كبديل واعد وصاعد لخدمة الأخلاق والقيم الدينية والإنسانية.
كنا نأمل أن تستنقذنا هذه من تحريض الشهوة والغرائز السائد إلى صفاء الوحي ووعي العقل والدفع نحو الخير، لكن الذي حصل (في بعضها على الأقل) أنها أبعدتنا عن التفاعل مع تحريض الشهوة والغرائز وضخت فينا وفي أبنائنا وأجيالنا تحريض الكراهية والبغض والتصنيف، فاندفعت تغذي الأحقاد وتصنع التوترات وتدفع نحو الموت والدمار.
لم تنظر (بعض) هذه القنوات يوما للإنسان كمكرم يستحق العيش الهادئ، والحياة المطمئنة، والسلامة على دينه وماله وعرضه، بل نظرت للإنسان من زاوية حادة وفاصلة، بعد أن ألبسته آلاف الأقنعة التي حجبت إنسانيته التي يشترك فيها مع الآخرين، وسلطت الضوء على فوارقه ومفارقاته لبقية أبناء آدم.
المتابع لبعض الفضائيات الملتحية يدرك حجم الضرر الذي تسببه الكلمات الجارحة بحق الآخرين، ومقدار الجمر الذي تسعره في نفوس مشاهديها، ومقدار الحنق الذي تشحن به قلوب الآخرين الذين تسلط عليهم لسانها البذيء بالسب والشتم والتهجم.
أتمنى أن لا يقرأ القارئ مقالي وقد صنفني في موقفي مسبقا بأني أقصد تلك الفضائيات التي لا تتوافق معي فحسب، كلا بل قصدت كل الفضائيات الملتحية التي تثير الكره والضغينة مع تقديري وافتخاري بكل فضائية ملتحية وملتزمة بخلق الإسلام وقيمه التي تدعو للسلام وحفظ الكرامات واحترام خيارات البشر.
ليست كل الفضائيات الحليقة منفلتة، وإن خيل للقارئ ذلك من مقدمة المقال، فبعضها مليء بالمعرفة والوعي والعطاء الإنساني الغزير، وليست كل الفضائيات الملتحية ملتزمة بتعاليم الدين وأخلاق الإسلام وهدي سيد المرسلين، بل بعضها فالت وقبيح ومخيف بسبب الشر والكراهية التي تنثر سمومها بين الناس.
وإذا كانت بعض الفضائيات الحليقة قد أضرت بأخلاقنا وسلوكنا وأثرت سلبا على أجيالنا، فإن خوفي كبير من أن تسبب لنا الفضائيات الملتحية دمارا يزهق أرواحنا ويحرق الأخضر واليابس من الخير والنعيم الذي نعيش فيه، وإني لأراها نذر حرب حقيقية نزولا عند قول الشاعر فإن الحرب أولها كلام.
فهل يعي العقلاء الخطر؟ أم سنجامل تلك الفضائيات (لأنها ملتحية) حتى يتمكن الدمار منا؟ 1
- 1. صحيفة الوسط البحرينية 10 / 5 / 2010م_ العدد: 2803.