مجموع الأصوات: 33
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1822

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

كيف نربي أطفالنا ؟

تعد تربية الأطفال مسألة في غاية الأهمية والصعوبة ، فهي مهمة جداً لأن التربية السليمة تساهم في بناء جيل ملتزم ومؤمن ، وهي صعبة لأن التربية بحاجة إلى وعي وثقافة وعلم بأصول التربية و قواعدها ، كما أن الآبـاء بحاجة إلى فهم أفضل لتفكير الأطفال وميولهم وحاجاتهم المتنوعة ، ويقع بعض الآباء في خطأ فاحش عندما يــلبون الاحتياجات المادية للأطفال ويغفلون عن تلبية الحاجات الروحية والأخلاقية لهم.
وثمة مسألة أخرى وهي : إن الكثير من الآباء والأمهات لا يشعرون بالحاجة إلى ثقافة تربوية تساعدهم على تربية وتعليم أبنائهم مما يجعلهم يقعون في أخطاء فاحشة لعدم فهمهم العميق لوسائل التربية .ولتلافي ذلك ينبغي للآباء والأمهات أن يلموا إلماماً جيداً بوسائل التربية الصحيحة للأبناء ، وهذا يستدعي بدوره قراءة الكتب التربوية ، والاستفادة من تجارب العلماء والمصلحين في التربية ، والاهتمام بمتابعة كل جديد عن عالم الطفولة ... كي يمكــن تربية الأبناء وفقاً للأصول التربوية السليمة .
وتنبع أهمية تربية الأطفال بصورة صحيحة من أن مرحلة الطفولة هي مرحلة تكوين الشـخصية ، في حين أن مرحلة الشباب هي مرحلة تثبيت الشخصية ؛ فالإنسان إنما تتكون شخصيته في السنوات الأولى من حياته ، وتظل تأثيرات مرحلة الطفولة تنعكس على سلوكياته وتصرفاته حتى بعد تجاوزه تلك المرحلة المهمة من حياته .
وتأسيساً على ذلك ، فإن القيام بمسؤولية تربية الأطفال تعد من أهم المسؤوليات الملقاة عــلى عاتق الآباء ، فالتربية حق طبيعي للأبناء على آبائهم ، وهم بحاجة ماسة إلى التربية لبناء شخصياتهم وتهذيب نفوسهـــم ليكونوا أفراداً صالحين لدينهم ومجتمعهم .

الأساليب المثلى في تربية الأطفال

من أجل تربية سليمة للأطفال يجب اتباع الأساليب التالية :
1- غرس القيم الدينية والأخلاقية في شخصية الطفل :
من المهم للغاية في تربية الأطفال هو غرس القيم الدينية والأخلاقية في شخصياتهم ، وذلك بشـرح القضايا الدينية بصورة بسيطة كي يمكن للأطفال استيعابها ، كما أن من الضروري تربية الأطفال على الأخــلاق الفاضلة والآداب الحسنة حتى يمكن تنشئة جيل متدين وخلوق .
ولأن الدين هو منبع الفضائل الأخلاقية ، والقيم الإنسانية الراقية ، فلذلك يجب أن نغرس الديـن في نفوس أطفالنا ، ونجعلهم يفتخرون بالانتماء إليه ، والشعور بالحب تجاه كل ماله صلة به .
ومن أجل غرس الدين في نفوس الأطفال يجب اصطحابهم إلى أماكن العبادة والذكر ،ومراكز الثقافـة والفكر ، وكذلك توجيههم نحو الالتزام بالقيم والتعاليم الدينية منذ الصغر . فقد روي عن النبي قوله : ( علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً ، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً وفرقوا بينهم في المضاجع)1 وذلك من أجل الالتزام بالواجبات الدينية منذ مرحلة الطفولة حتى يشب عليها عندما يكون قد بلغ مرحلة التكليف الشرعي .
إن تعليم الطفل على الصلاة والصيام ، وكذلك تربيته على الآداب والأخلاق الفاضلة منذ الصــغر هو أفضل أسلوب لتهذيب نفسه ، وتزكية روحه ، وبناء شخصيته .
2– تعويد الطفل على العادات الحسنة :
يجب تعويد الطفل على العادات الحسنة حتى تكون جزءاً من شخصيته العامة ، والعادات الحسنة كثيرة كالالتزام بالمواعيد ، وإفشاء السلام ، واحترام الكبار ، والصدق في الحديث ، والاهتمام بالنظافة ، والتعود علــى القراءة والمطالعة ... الخ .
وتعويد الطفل على العادات الحسنة يجعله يتعود عليها حتى عندما يكبر ، فمن الصعب على الإنسان أن يترك أية عادة قد تعود عليها منذ نعومة أظفاره ، وهذا يحقق له شخصية محترمة وناجحة عندما يصبح شاباً . أمــا عندما يتعود الطفل على العادات السيئة فإنه سوف يشب عليها ، وتتحول إلى جزء من شخصيته ، وهذا مايؤدي به إلى الفشل وربما التعاسة والشقاء في حياته .
3– تغذية الطفل بالحب والعطف والحنان :
يحتاج الطفل إلى الحب والعطف والحنان من والديه كما يحتاج إلى الطعام والشراب ، فالغذاء العاطفي ( الحب والعطف والحنان ) ضروري جداً لبناء شخصية سوية غير مضطربة ولاقلقة ؛ فالطفل الذي يتلقى الحــب والعطف والحنان يشعر براحة نفسية وتكامل في الشخصية ، في حين أن من يفقد الحب والعطف يصاب بعقد نفسية خطيرة .
فقد قال رسول الله : ( أحبوا الصبيان وارحموهم )2 وعنه أيضاً قال : ( من قبَّل ولده كتب الله عز وجل له حسنة ، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة )3 وبهذه التعاليم يحثنا نبينا على أهمية تغذية الطفل بالمحبة والعطف والحنان ؛لأن انعدام ذلك يؤدي إلى مشاكل نفسية في شخصية الطفل .
(لقد أثبتت البحوث النفسية أن من أهم أسباب القلق النفسي يرجع إلى انعدام الدفء العاطفي في الأسرة ، وشعور الطفل بأنه منبوذ محروم من الحب والعطف والحنان ، وأنه مخلوق ضعيف يعيش وسط عــالم عدواني )4.
وفي دراسة نفسية تبين أن 91% من المجرمين كانوا يعانون من نقص المحبة والعطـــــــف .
وهذا يدل على أهمية توفير الحب والعطف والحنان للأطفال ، إذ أن لذلك أثراً بالغاً في تكامل شخصية الطفل ، وفي زيادة الثقة بالنفس ، وفي تفتح القدرات العقلية ونموها ، وفي خلق التوازن في نفسية الطفل ، واستقـرار الحالة الأخلاقية لديه .
وإذا كان الحب والعطف ضرورياً لنمو روح الطفل وتكامل شخصيته ، إلا أن الإفراط فيه له أضـرار كثيرة على الطفل ؛ من أهمها الإعجاب الزائد بالنفس ، وتزايد حالة الغرور ، وعدم القدرة على تحمل المسؤوليات ، والتصرف بميوعة غير لائقة ... الخ .
والمطلوب هو التوازن في الحب والعطف والحنان ، فالنقص في تغذية الطفل بذلك كزيادته مــضر بشخصيته ، فلا شيء كالاعتدال في الحب والعطف والحنان يساهم في تحقيق التربية المتوازنة في حياة الطفل .
4– الابتعاد عن القسوة الشديدة والليونة المفرطة :
تحتاج التربية السليمة إلى التوازن الدقيق في التعامل مع الأطفال ، فالقسوة الشديدة على الأطفال كما الليونة المفرطة لها أضرار جسيمة على مستقبل الأطفال وبناء شخصياتهم .
( وقد دلت الإحصائيات على أن عدداً كبيراً من المجرمين ينتمون إلى بيوت كانت القسوة فيها هي القانون المعمول به ، وكان الضرب وإلحاق الأذى هو الوسيلة التربوية )5.
إن الكبح ليس هو الطريقة الصحيحة لتربية الطفل فإنه يؤدي إلى إثارة القلق في نفس الطفل الـذي هو من أقسى ألوان الصراع النفسي .. إن عقاب الطفل لا يؤدي –على الأكثر – إلى تعديل سلوكه ، وإنما يــؤدي إلى أضرار جسيمة .
إن أحسن وسيلة لتربية الطفل هي التربية المهذبة الهادئة فإنها تؤدي إلى صحته الجسمية والعقلية 6. ومن الضروري أيضاً الابتعاد عن الليونة المفرطة فإنها لاتقل خطراً عن القسوة الشــديدة لأنها تؤدي إلى تنشئة الطفل على عدم الإحساس بالمسؤولية ، وعدم التقيد بأية ضوابط أو معايير قيمية أو أخلاقية ،وعــدم الاكتراث بحقوق الآخرين ، وضعف الاعتماد على الذات .
أما القسوة الشديدة فإن أخطارها واضحة حيث تؤدي بالطفل إلى التصرف بخشونة وغلظة ، والإصابة بالأمراض والعقد النفسية ، كما قد تؤدي إلى ارتكاب أعمال إجرامية .
وأفضل وسيلة للتربية السليمة هو التربية على قاعدة ( حزم بلين ) .
5- احترام شخصية الطفل :
إن احترام شخصية الطفل تكرس لديه الثقة بالنفس ، والشعور بالراحة ، وتنمي مواهبه القــيادية ؛ في حين أن التعامل مع الطفل باستخفاف ،والتقليل من مكانته ، واعتباره مجرد جاهل لايفهم شيئاً ،يؤدي بالطفل إلى العقد النفسية ، و الإصابة بالاضطراب والقلق ، والشعور بالنقص والدونية .
إن من الأساليب المهمة في التربية هو التعامل مع الطفل كإنسان له مشاعر وعواطف وأحاسيس ، ومن ثم يجب احترام شخصية الطفل ، لأن ذلك يساهم في رسم شخصيته في المستقبل . أما التعامل مع الـطفل من دون أي اعتبار لمشاعره وعواطفه فإن ذلك يؤدي إلى إيجاد أطفال معقدين ومضطربين نفسياً وعقلياً ، وهذا له مخاطر جسيمة على الأطفال أنفسهم وعلى المجتمع أيضاً .
6- اتباع مبدأ الثواب والعقاب :
من عناصر التربية السليمة هو اتباع مبدأ الثواب والعقاب ، أو لنقل مبدأ التشجيع والتوبيخ ؛ فإذا مـا أحسن الطفل ، أو أحرز مستوى متقدم في نتائج الدراسة ، أو تلفظ بألفاظ حسنة فإنه يجب أن يثاب عــلى ذلك ويشجع . أما إذا أساء لنفسه أو للآخرين ، أو أخفق في الدراسة ، أو تصرف من غير أدب وأخلاق فيجب أن يوبخ ويعاقب بطريقة معقولة حتى يرتدع مرة ثانية عن تكرار ذلك العمل الخاطئ .
إن مبدأ الثواب والعقاب مبدأ يقره كل العقلاء ، كما يقره علماء التربية، فلا يصح أن يتساوى المحسن والمسيء ،فالمحسن يجب أن يثاب ويشجع على إحسانه ، والمسيء يجب أن يعاقب ويوبخ على إساءته ، وهذا المبدأ مهم جداً في تربية الأطفال كي يزيد المحسن من إحسانه ، ويرتدع المسيء عن أفعاله .
7- العدل بين الأبناء :
من أهم مقومات التربية السليمة هو العدل بين الأولاد ، وعدم تفضيل بعضهم على البعض الآخر ، لأن ذلك يؤدي إلى الأحقاد والضغائن بينهم .
فقد روي عن النبي أنه قال : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم)7 وقال الإمام علي : أبصر رسول الله رجلاً له ولدان فقبَّل أحدهما وترك الآخر ، فقال : ( فهلا واسـيت بينهما؟!)8. فالعدل بين الأولاد مهم جداً في بناء كيان الأسرة ، وفي خلق جو من التعاون والتفاهم بين الأولاد . أما تفضيل بعضهم على بعض من دون أي سبب معقول ، وبصورة علنية ومكشوفة ، فهذا يؤدي إلى تحطيم الأسرة ، وخلق الضغائن والأحقاد بين الأولاد ، وانعدام التفاهم والتعاون بينهم .. وكل ذلك له عواقب وخيمة على مستقبل كيان الأسرة ، وتفكك نظام العائلة .
ويبقى العدل بين الأولاد كما أمرنا بذلك نبينا محمد بن عبد الله أمراً مهماً للغاية إذا ما أردنا بنـاء أسرة متماسكة ، يسودها مناخ من التفاهم والتعاون والتراحم بين جميع أفرادها .
﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ 9 10.

  • 1. ميزان الحكمة ،محمد الري شهري، مؤسسة دار الحديث الثقافية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثانية 1419 هـ ، ج 8 ، ص 3681 رقم الحديث 757 22.
  • 2. نفس المصدر السابق ، ص 3669 ، رقم الحديث 22620.
  • 3. نفس المصدر السابق ، ص 3669 ، رقم الحديث 22624.
  • 4. نظام الأسرة في الإسلام ، باقر شريف القرشي ، دار الأضواء ، بيروت – لبنان ،الطبعة الأولى 1408 هـ –1988 م ، ص 139 ،نقلاً من كتاب ( التكيف النفسي )ص 21.
  • 5. نفس المصدر السابق ، ص 136 ، نقلاً من كتاب ( اعرف نفسك ) ص 203.
  • 6. نفس المصدر السابق ، ص 136.
  • 7. ميزان الحكمة ، مصدر سابق ، ج 8 ، ص 3673،رقم الحديث 22662.
  • 8. نفس المصدر السابق ، ص 3673 ، رقم الحديث 22666.
  • 9. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 74، الصفحة: 366.
  • 10. المصدر: الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبدالله اليوسف حفظه الله.