قبل أن نبدأ بالحديث عن العمليات العسكرية التي جرت بين المسلمين واليهود فيما بين بدر وأحد ، نود أن نشير باختصار إلى بعض عقائد اليهود ، ثم إلى بعض ما يرتبط بمواقفهم وخططهم ، ومؤامراتهم على الإسلام ، وعلى المسلمين ، فنقول :
البشرية اليوم أشبه ما تكون بجسم عملاق رُكّب عليه رأس صغير ! إنك لو رأيت رجلاً ضخماً ؛ صدره عريض ويداهطويلتان ورجلاه أطول ، ولكن رأسه رأس طفل صغير ، فلا شك أنك ستقول بأن خللاً كبيراً حاكم على خلقته منذ الولادة . إننا اليوم نملك قدرات هائلة ، حتى استطاع الإنسان أن يفلق الذرة ويتحكم بالجنين ويهندس الوراثة ويجوب الفضاء ، وأصبحت الأرض التي كانت في يوم من الأيام عالماً مغلقاً أمام البشر ؛ أصبحت تمسح بالأقمار الصناعية مسحا ًجيولوجياً ليكتشف ما في أعماقها من معادن وآثار وأحواض مائية ونفطية وتيارات هوائية عالية التأثير قد تتسببفي وقوع الزلازل والبراكين . . وإنسان اليوم يستطيع التحكم حتى بالنباتات ، حيث أخذ هذا التحكم وما يقف وراءهمن تقنية علمية بتوفير مواد غذائية جديدة ، واستطاع العلماء تحسين نطف الحيوانات ، فركّبوا بعضها على بعض . . . وهاهو العلم الحاضر يسعى إلى زرع خلايا الدماغ ، ويتجه إلى صنع أعضاء احتياطية حية لجسم الإنسان عبر الاستعانة بتحسين جينات الحيوانات الذكية .
القضاء والقدر من صميم العقائد الإسلامية التي جاء بها الكتاب والسنة ، ولا يجوز إنكارهما ، فمن استطاع أن يفهمهما على الوجه الصحيح بلا إفراط ولا تفريط فبها ، وإلا فلا يجوز للمكلف أن يتكلف فهمهما والتدقيق فيهما ، لئلا يضل وتفسد عقيدته ، لأن هذا المبحث من أدق المباحث الفلسفية التي لا يدركها أكثر الناس ، وعليه فيكفي الاعتقاد بهما بنحو الإجمال من دون الخوض في التفاصيل . والقضاء : في اللغة له خمسة معانٍ : 1 ـ بمعنى الخلق : قال تعالى ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ 1 ، أي خلقهن سبع سماوات . بمعنى الأمر : قال تعالى ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ... ﴾ 2 ، أي أمر ربك .
ملخص هذه القضية المكذوبة : أنه بعد أن هاجر المسلمون إلى الحبشة بحوالى شهرين ؛ جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع المشركين ، فأنزل الله تعالى عليه سورة النجم ؛ فقرأها ، حتى إذا بلغ قوله تعالى : ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴾ وسوس إليه الشيطان بكلمتين ، فتكلم بهما ، ظاناً أنهما من جملة الوحي وهما : (تلك الغرانيق العلى ، وأن شفاعتهن لترتجى) ، ثم مضى في السورة ، حتى إذا بلغ السجدة ، سجد وسجد معه المسلمون والمشركون .
لكن الوليد بن المغيرة لم يتمكن من السجود ، لشيخوخته ، أو لتكبره ـ على الخلاف ـ فرفع تراباً إلى جبهته فسجد عليه ، وقيل : إن الذي فعل ذلك هو سعيد بن العاص ، وقيل كلاهما ، وقيل : أمية بن خلف ، وصحح ، وقيل : أبو لهب ، وقيل : المطلب .
وأضاف البخاري سجود الإنس والجن ، إلى مجموع المسلمين ، والمشركين وطار الخبر في مكة ، وفرح المشركون ، بل ويقال : إنهم حملوا الرسول ، وطاروا به في مكة من أسفلها إلى أعلاها .
قال قوم : إنا إذا تلونا القرآن و تأملناه وجدنا معظم كلامه مبنياً و مؤلفاً من ألفاظ قريبة و دارجة في مخاطبات العرب و مستعملة في محاوراتهم ، و حظ الغريب المشكل منه بالإضافة الى الكثير من واضحه قليل ، و عدد الفقر و الغرر من ألفاظه بالقياس الى مباذله و مراسيله عدد يسير ، الأمر الذي لا يشبه شيئاً من كلام البلغاء الأقحاح من خطباء مصاقع و شعراء مفلقين ، كان ملء كلامهم الدرر و الغرر و الغريب الشارد .
تعوّدت أن أتحدث إليكم في أمثال هذه المناسبة الكريمة عن تراث النبوة في هيكل الإمامة ، وعن طبيعة الخلافة الراشدة ، وسمة الخليفة الراشد في نظر البرهان ، ومن نصّ القرآن . . . أتحدّث بهذا لا لأثبت أن الخلافة بعد علي ( عليه السلام ) لا يستحقّها غير ولده الحسن ( عليه السلام ) ، فهذا شيء لا يفتقر إلى الإثبات ، ومن مؤسفات الحقائق أن يضطر قائله إلى برهان . بل لأحاكم التأريخ في سقطته عام الجماعة ، ماذا لوّن من حقائق ، وماذا من أخطاء . . . تعودت أن أتحدث إليكم عن هذه المآسي ، فهل تسمحون لي أن أنصرف بكم ـ هذا اليوم ـ إلى طرف آخر من الحديث . . إلى لون طريف من هذه المزالق التي تضعها الأهواء في طريق الآراء . أود أن أتحدث إليكم ـ أيها السادة ـ عن آيتين كريمتين ، قال سياق القرآن الكرم ، وقال المفسرّون كلهم ـ على تفرّق مذاهبهم ـ ، وقال علماء الحديث . . جميعهم ـ على تنوّع مشاربهم ـ : إن الآيتين إنما ذكرتا أهل البيت ( عليه السلام ) ، خاصّة النبي ( صلى الله عليه و آله ) الزكية ، ولُحمته القريبة ، وتقول الأهواء : إنما عَنتا أناساً آخرين !! .
يقول تعالى : ﴿ وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ 1 . تعتبر هذه الآية الكريمة قاعدة إسلامية لسلوك الدعوة في الحياة ، وهي تريد إبعاد الدعاة عن أساليب السباب والشتائم ، في ما يخوضون فيه من صراع الفكر والفكر المضاد ـ سواء في ما يختلفون فيه من تقييم للمبادئ وللمواقف ، أو في ما يتنازعون فيه من تقييم لرموز أو أشخاص ـ لأنّ هذه اللغة تجر إلى ردود فعل حيث تضع الموقف في نطاق المهاترات ، وتبعده عن أجواء الحوار الهادئ الموضوعي ، وينتهي الأمر بهم إلى الفراغ والضياع .
هل اعترف القرآن بتأثير السحر تأثيراً وراء مجاري الطبيعة ، حسبما يزعمه أهلُ السحر و النفّاثاتُ في العُقد ؟ ليس في القرآن ما يشي بذلك سوى بيان وَهْن مَقْدُرتهم و فَضْح أساليبهم بأنّها شَعْوذة و تخييلات مجرّدة لا واقعية لها . يقول بشأن سَحَرة فرعون : ﴿ ... فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ 1 . فكان الرائي يتخيّل أنّ تلك الحبال و العصيّ تسعى ، أي تنزو و تقفز و تلتوي على أنحاء الحركات التي كان الناظرون يحسبونها حركات حياتية و أنّها حيّات ثعابين متهيّجة . قال الطبرسي : لأنّها لم تكن تسعى حقيقة ، و إنّما تحرّكت لأنّهم جعلوا في أجوافها الزئبق ، فلمّا حميت الشمس تمدّدت الزئابق فحصلت على أثره تلك التحرّكات ، و ظُنَّ أنّها تسعى 2 .
جاءت القصّة في التوراة كسائر الأحداث التاريخية القديمة مشوّهةً في خِضمًّ من خرافات بائدة و من غير أن تتأكّد على مواضع العِبر منها ، بل و أغفلتها في الأكثر . أمّا القرآن فبما أنّه كتاب هداية و عِبر نراهُ يقتطف من أحداث التاريخ عبرها و يجتني من شجرة حياة الإنسان السالفة يانع ثمرها ، فليتمتّع الإنسان بها في حياته الحاضرة في شعفٍ و هناء .
قرأت في جريدة الجمهورية المصرية تاريخ 21 نيسان سنة 1967 كلمة قال كاتبها ضياء الريس : انه قرأ مقالا في مجلة أدبية لكاتب عربي شهير ، قال فيه : انه ـ أي الكاتب ـ حين كان عضوا في البعثة العلمية بالنكلترا اشتبك في نقاش حاد مع انكليزية مثقفة حول الإسلام و المسيحية ، فقالت الانكليزية ـ متحدية جميع المسلمين بشخص الكاتب المسلم ـ اني ألخص مبادئ المسيحية كلها بكلمة واحدة ، و هي المحبة ، فهل تستطيع أنت ـ أيها المسلم ـ ان تأتي بكلمة تجمع مبادئ الإسلام ؟ فأجابها الكاتب المسلم : أجل ، انها كلمة التوحيد .
هل كان ابن عباس يراجع أهل الكتاب في فهم معاني القرآن ؟
سؤال أجيب عليه بصورتين : إحداهما مبالغ فيها ، و الأخرى معتدلة إلى حد ما ، كانت مراجعته لأهل الكتاب ـ كمراجعة سائر الأصحاب ـ في دائرة ضيقة النطاق ، في أمورلم يتعرض لها القرآن ، و لا جاءت في بيان النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، حيث لم تَعُد حاجة ملحة إلى معرفتها ، و لا فائدة كبيرة في العلم بها كعدد أصحاب الكهف ، و البعض الذي ضرب به موسى من البقرة ، و مقدار سفينة نوح ، و ما كان خشبها ، و اسم الغلام الذي قتله الخضر ، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم ، و نحو ذلك مما لا طريق إلى معرفة الصحيح منه . فهذا يجوز أخذه من أهل الكتاب ، و التحدث عنهم ولا حرج ، كما ورد " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " ، المحمول على مثل هذه الأمور .
زعم ( تسدال ) أنّ قصّة مريم و ابنها المسيح ( عليهما السَّلام ) لم ترد في كتب النصرانية المعتمدة , و اعتبرها خرافة وهمية , و حجّته في ذلك عدّة شبَةٍ في ذهنه :
استعمل المصحف بالمعنى اللّغوي في روايات ( جمع القرآن ) حتى عهد عثمان . فقد روى البخاري عن الصحابي زيد بن ثابت ما ملخّصه : أنّ الخليفة أبا بكر أمره بجمع القرآن . قال : فتتبعتُ القرآن أجمعه ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثمّ عند عمر في حياته ، ثمّ عند حفصة بنت عمر .
الإنسان ـ كما وصفه القرآن ـ صفوة الخليقة و فلذتها و سرّها الكامن في السلسلة الوجود . لا تجد وصفاً عن الإنسان وافياً ببيان حقيقته الذاتية التي جَبَله الله عليها ـ في جميع مناحيها و أبعادها المترامية ـ في سوى القرآن . يصفه بأجمل صفات و أفضل نعوت لم يُنْعَم بِها أيّ مخلوق سواه ، و من ثَمَّ فَقد حظى بعناية الله الخاصّة و حُبي بكرامته منذ بدء الوجود . و لنشر إلى فهرسة تلكم الصفات و الميزات التي أهّلته لمثل هذه العناية و الحباء : 1 ـ خلقه الله بيديه : ﴿ ... مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ... ﴾ 1 .
كان ابن عباس تلميذ الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، و منه أخذ العلم و تلقى التفسير ، سواء في أصول مبانيه أم في فروع معانيه ، فقد سار على منهج مستقيم في استنباط معاني القرآن الحكيم . إنه لم يَحد عن منهج السلف الصالح في تفسير القرآن و فهم معاني كتاب الله العزيز الحميد ، ذلك المنهج الذي رست قواعده على أسس قويمة و مبان حكيمة . و قد حدد ابن عباس معالم منهجه في التفسير بقوله : " التفسير على أربعة أوجه : وجه تعرفه العرب من كلامها ، و تفسير لا يعذر أحد بجهالته ، و تفسير يعلمه العلماء ، و تفسير لا يعلمه إلا الله " . فالقرآن ، فيه مواعظ و آداب و تكاليف و أحكام ، يجب على المسلمين عامة المعرفة بها و العمل عليها ، لأنها دستور الشريعة العام . فهذا يجب تعليمه و تعلمه ، و لا يعذر أحد بجهالته . و فيه أيضاً غريب اللغة و مشكلها ، مما يمكن فهمها و حل معضلها ، بمراجعة الفصيح من كلام العرب الأوائل ، لأن القرآن نزل بلغتهم ، و على أساليب كلامهم المعروف .
الجن في تعابير القرآن1 من الغريب أن نرى بعض الكُتّاب الإسلاميّين يلهجون بما لاكه المستشرقون الأجانب من فرض التعابير الواردة في القرآن بشأن الجنّ ، تعابير مستعارة من العرب توافقاً معهم جَدَلاً كعامل تنفيذ في أوساطهم على سبيل المماشاة ، لا على سبيل الحقيقة المعترَف بها . إذ يبعد اعتراف القرآن بما لا يعترف العلم التجربي بوجوده أو سوف ينتهي إلى إنكاره رأساً . لكن ذلك لا يوهن شأن القرآن بعد أن كان تعبيره بذلك ظاهريّاً ومجاراةً مع القوم . و هكذا تعبيره عن السحر و إصابة العين تعبير ظاهري و ليس على حقيقته . قالوا : و هذا نظير تأثّره ظاهراً بالنظام الفلكي البطلميوسي و الطبّ الجالينوسي القديمين ، و قد رفضهما العلم الحديث .