ان الذين يجاهدون في سبيل الله، يعرفون الطرق المؤدية الى الله سبحانه وتعالى، وهذا هو هدف الانبياء (ع)، وفي كربلاء نجد نماذج من هذه الاستقامة، ومن هذا النوع الجهاد، وأبعاد استقامة الامام الحسين (ع) في يوم عاشوراء من خلال قراءة دعاء عرفة والتدبر فيه، وخصوصاً في كلمته التي يقول فيها: «فان لم تكن غضبت عليّ فلا أبالي سبحانك غيرك ان عافيتك أوسع لي».
وبدأت نسائم الأربعين تنشر عبقها لعشّاق زوّار الإمام الحسين ، تلك الزيارة المليونية التي ليس لها نظيرٌ في تاريخ البشرية، والتي عدّها إمامنا الحسن العسكري علامة من علامات المؤمن الخمس، والمتأمل في هذه الزيارة العظيمة تنكشف له تجلّيات آيات القرآن الحكيم فيها.
الإمام الحسين (ع) هو الباعث لنا على الجهاد في سبيل الله، وهو الراية التي نرفعها في وجه الظلم والظالمين والطغاة والجبابرة، وهو الذي يمدنا بالقوة والقدرة التي نواجه بها الأعداء مهما بلغوا من القدرات العسكرية والتقنيه، وهو الذي يزودنا بالإرادة الصلبة التي لا تلين من خلال شعار (هيهات منا الذلة) الذي رفعه في كربلاء بوجه يزيد وجلاوزته.
لا بد في نظرنا المعرفي وبيان الوجه العقائدي والتربوي لزيارة الإمام الحسين الخروج من الإطار التقليدي والنظر لها كوجه فقهي مستحب، إذ هذه الزيارات الشريفة تحمل بين طياتها الكثير من المعاني والمضامين العالية والتعريف بالإمام المعصوم وبيان جزء مهم من سيرته الشريفة، وهي برنامج روحي وأخلاقي تدريبي يستقي من خلاله الزائر مجموعة من المفاهيم والقيم التي تتحول إلى سلوكيات وتصرفات، يسير فيها على نهج الإمام الحسين .
بعد الزيارات المليونية للإمام الحسين عليه السلام كل عام، حاول بعضهم التشكيك في زيارة الأربعين، بأنها لم يثبت استحبابها بخصوصها، أي أنها ليست من الزيارات المخصوصة، كزيارة ليلة القدر، وليلة النصف من شعبان، ويوم عرفة وغيرها.
حسب الرؤية الاسلامية تنتهي المجتمعات البشرية، وتفنى الحضارات الانسانية بسبب انحرافها عن الحق واختيارها طريق الباطل، ولكن الحق ليس شيئاً واحداً، فكل سنة الهية، وكل فطرة خلقها الله حق، وكل قانون طبيعي سنة، وكل ما أجراه الله على الكون حق، فاذا انحرف الانسان عن القانون الالهي دمر حياته بيده عاجلًا أو آجلًا.
تكشف زيارة الأربعين للإمام الحسين بن علي عن دلالات وآثار عظيمة، كما تبرز جانباً مهماً من تجليات عظمة الإمام الحسين ومكانته وفضله. إن ظاهرة الزيارة المليونية في زيارة الاربعين للإمام الحسين يعبر عن انتصار القيم والمبادئ والأهداف التي استشهد من أجلها الإمام الحسين في معركة كربلاء.
وهو أوّل بيان للحسين (عليه السّلام) للثورة على يزيد بن معاوية ، وذلك عندما طلب منه والي يزيد على المدينة ـ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ مبايعة يزيد بالخلافة بعد هلاك معاوية ، فقال له الحسين (عليه السّلام) : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا ختم. ويزيد رجل فاسق ، شارب للخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن للفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ...
كثيرة هي المعارك والثورات والنهضات، التي اندثر تأثيرها مع الزمن، إلا معركة وثورة ونهضة الإمام الحسين ، حيث أن الزمن يزيد من إشراقها وضيائها.. ففي كل عام يجدد المؤمنون إحياء هذه النهضة، ويستلهم الملايين منها الدروس والعبر.. والذي يتابع حرارة إحياء هذه المناسبة العظيمة، يدرك بعمق أن الزمن وتداعياته، لم يمنع الناس من إحياء هذه المناسبة.
من أهداف رسالات السماء ومصلحي البشر اثارة دفائن العقول، وشحذ وتحريك الارادة والعاطفة، واستخراجها من باطن الانسان الى واقعه، وهذا ما فعلته ملحمة كربلاء تماماً، فقد كانت هي الطليعة والقدوة لجهد الانسان في تفجير مخزونه الارادي والعقلي والعاطفي.
اهتم أئمة أهل البيت الأطهار عليهم السلام اهتماماً كبيراً بإقامة المآتم الحسينية، وإحياء واقعة عاشوراء في كل سنة، فهم أول من أقاموا العزاء والمآتم على مصيبة سيد الشهداء عليه السلام؛ كما ورد عنهم روايات متواترة في الترغيب والتحريض والحث على إقامة العزاء والندب على مصيبة أبي عبدالله الحسين عليه السلام.
قوّة أشبه بأن تكون لا إرادية تشدّك للمشاركة والحضور لإحياء عاشوراء الحسين ، فلا تكاد تستطيع أن تتجاهل هذا الموسم العظيم، أو أن يكون أمراً ثانوياً في برنامجك اليومي. وأعتقد يقيناً أن كلَّ من يؤمن بالإمام الحسين وثورته العظيمة يجد نفسه ملزماً، وبلا اختيارٍ منه، أن يشارك الجماهير المؤمنة في إحياء هذه الذكرى الأليمة.
حينما نجلس في مأتم أو في محفل من محافل ذكر الامام الحسين (ع) وثورته الخالدة .. التي هي خلاصة لثورات الانبياء عليهم الصلاة والسلام وامتداد لرسالات الله. فإننا نفعل ذلك لتصفية أنفسنا وتزكية ذواتنا. ان هذه الدموع التي تجري على مصاب الشهيد السبط تغسل قلب الانسان، وتقلع الصفات السيئة من نفسيته...
لواقعة كربلاء العظيمة وجهان أساسان يشكلان صورتها الواحدة. الوجه الأول: هو الرسالة التي تحملها، وهي تعزيز القيم، وتثبيت المبادئ التي نادى بها الحسين وأصحابه، والتزموا بها، واستشهدوا من أجل الدفاع عنها. الوجه الآخر: هو المأساة الدامية، والمصيبة المفجعة، التي نالت أهل بيت الرسالة في كربلاء.
ورد في السيرة النبوية أنّه بعد ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيت ابنته سيدة نساء العالمين (عليها السلام) ونظر إلى المولود الجديد، ثمّ أخذه بين يديه وقبَّله في نحره، فاسترعى هذا التصرّف انتباه الأم الفرحة، وما كان منها إلّا أن سألت أباها عن مغزى ذلك الفعل، فيأتيها الجواب الذي لا ينطق عن الهوى بأنّ "الحسين (عليه السلام)" يُقتَل عطشاناً مظلوماً مذبوحاً على يد الفئة الباغية.
ان الكلمات القرآنية التي هي محور التشريع الاسلامي ومنار البصيرة الرسالية ومصنع الايمان الصافي يجب أن تفسر وفق السياق القرآني ذاته وما نستنبطه منه، ومن أبرز الكلمات التي تعتبر مفتاحاً لفهم القرآن ومدخلًا لطريق فهم الحياة هي الكلمات التي تؤكد عليها آيات القرآن الحكيم وتجعلها محوراً لسائر الافكار والتشريعات.
حقيقة النهضة الحسينية أضحت الوجه الباطني للإسلام، وكما أن النبوة تجسدت في الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله فإن الولاية التي هي باطنها تجسدت في سيد الشهداء عليه السلام ولقد أعطى هذا الحديث النبوي الشريف تصويراً فريداً لهذه الحقيقة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين مني وأنا من حسين".
فيما يأتي من هذا المقال، نحاول أولاًـ إن شاء الله ـ أن نُلقي نظرة إلى سند هذه الزيارة لإثبات اعتبار هذه الزيارة من ناحية السند. ونحاول ثانياً أن نثبت صحة هذه الزيارة بالقرائن الموجودة في أسانيدها الخمسة عند الشيخين ابن قولويه وأبي جعفر الطوسي، حتى مع افتراض عدم اعتبار سند هذه الزيارة.