فيما يأتي من هذا المقال، نحاول أولاًـ إن شاء الله ـ أن نُلقي نظرة إلى سند هذه الزيارة لإثبات اعتبار هذه الزيارة من ناحية السند. ونحاول ثانياً أن نثبت صحة هذه الزيارة بالقرائن الموجودة في أسانيدها الخمسة عند الشيخين ابن قولويه وأبي جعفر الطوسي، حتى مع افتراض عدم اعتبار سند هذه الزيارة.
شكلت ثورة الإمام الحسين انعطافة كبيرة في تاريخ ومسيرة الأمة، ونهضة في العقول والأفكار، وصدمة في النفوس والقلوب، ولذلك لم يقتصر أثرها على اللحظة التاريخية التي وقعت فيها؛ بل امتد تأثيرها إلى كل العصور والأزمان, يستلهم منها الأحرار في العالم مفاهيم العدالة والحرية والحق والخير.
قد كثرت التساؤلات في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد الانفتاح العلمي والتواصل الفكري عبر المواقع الإلكترونية؛ وما ذلك إلّا لأنّ أذهان بعض مَن تطلَّع إلى هذا اللفظ تصور أنّه تعبير أدبي بُولِغ فيه للتعبير عن حصول الثواب لمَن يقيم المآتم على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
من الخطباء من إذا حضرت لديه تفاعلت نفسك عاطفياً، وذرفت دموعك من أماقيها، وهاجت عبرتك، ليطهُر قلبك، وتصفو نفسك، فالبكاء على الإمام الحسين غالي وثمين، وآثاره على النفس لا حصر لها حين يكون ذلك البكاء نابعاً من قلبٍ طاهرٍ ونقي. ولا يخلوا مجلس هؤلاء الخطباء من موعظةٍ أو حديث في السيرة الحسينية أو مراجعةٍ لمسألةٍ شرعية مما يجعلها مجالس للذكر والإحياء والبكاء في آنٍ واحد.
مِن عُلمائنا مَنْ لا يفرِّق بين (الشَّعائر) و(المراسيم) فالمضمون واحد، فكلُّ ما يشكِّل إحياءً لذكرى عاشوراء، ويملك الشَّرعيَّة فهو (شعائر عاشورائيَّة) وهو (مراسيم عاشورائيَّة). والرَّأي الآخر: يُفرِّق بين مصطلح (الشَّعائر العاشورائيَّة) ومصطلح (المراسيم العاشورائيَّة).
في تاريخ المجتمعات البشرية هناك أحداث متميّزة بعمق تأثيراتها، وسعة انعكاساتها على رقعة الزمان والمكان، وفي تاريخنا الإسلامي تبرز نهضة الإمام الحسين ، وشهادته في كربلاء، سنة 61هـ، كحدث فريد متميّز، لا يزال الاحتفاء به والتفاعل معه يتجدّد في محيط بشري واسع كلّ عام، بأعلى درجات التفاعل، رغم مرور أربعة عشر قرنًا على وقوعه، ويتجلّى التفاعل الأبرز في أيام ذكرى هذا الحدث، في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، مطلع كلّ عام هجري.
ثمة دروس أساسية تطلقها ثورة الإمام الحسين عبر الأجيال والتاريخ. ولعل من أهم هذه الدروس، هو ضرورة العمل على صيانة الكرامة الإنسانية، ورفض كل محاولات امتهانها ومسخها. فعاشوراء الحسين ، تربطنا ارتباطا جوهريا بقيمة الكرامة. وتعلمنا أن الإنسان أو المجتمع الذي تمتهن كرامته وتهدر حقوقه الإنسانية، عليه العمل والسعي لإزالة الذل وصيانة الكرامة الإنسانية والمحافظة على حقوق الإنسان.
ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) هي من أهم الثورات التي شغلت فكر الإنسانية ، وأخذت مجالا كبيراً من التاريخ الإسلامي لأنّها حدث غير عادي ومهم جدّاً. فكان لا بدّ للمؤرّخ مهما كانت ميوله ومعتقداته أن يشير إليها بإيجاز أو بإسهاب ، وذلك ـ طبعاً ـ من وجهة نظره الخاصة ، وحسب سعة اطلاعه الفكري وضيقه.
على المجاهد بنفس الصورة التي يتحلى بها بالصبر والصمود والثبات تجاه المصاعب، أن يعمق في نفسه صفات الإيثار والتضحية وينزّه نفسه عن الصفات المذمومة الواحدة تلو الأخرى. وفي الوقت الذي يدحر فيه العدو عليه أن يهزمَ النفس الأمارةَ بالسوء وينتصر عليها، وهو بذلك يعود من الجهاد إنساناً بكل معنى الكلمة ويستحق بجدارة أن يكون معلماً ومربياً للذين لم يذهبوا إلى الجبهة.
ان قيام الامام الحسين (ع) ونهضته الالهية هي امتداد لرسالة الانبياء، وفي كل فصل من فصول كربلاء درس وعبرة قد استلهمت من تاريخ الرسل والانبياء والمصلحين. وما أشبه قيام سيد الشهداء الامام الحسين عليه الصلاة والسلام برسالة موسى (ع) من عدة وجوه ومن عدة نواحي.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾1 هذه الآية الكريمة هي خاتمة سورة آل عمران. وهذه السورة تتحدث عن الأمة الاسلامية كتجمع مبدئي يتمحور حول الايمان بالله والحق.
عندما نتأمل في التاريخ الإسلامي بعد واقعة كربلاء الأليمة نجد أن العديد من الثورات ضد الحكم الأموي وبعدها ضد الحكم العباسي قد انطلقت بشعار: يا لثارات الحسين عليه السلام. وبغض النظر عن تقييم تلك الثورات، ينتابني سؤال مهم: هل كان الإمام الحسين عليه السلام ثائراً؟
شهد التاریخ البشری ألوان الانحرافات عن خط التوحید، والصفة البارزة فی هذه الانحرافات هو الاعتقاد بوجود آلهة متعددة لهذا العالم، وفکرة التعدّد انطلقت من ضیق نظرة أصحابها الذین راحوا یعیّنون لکل جانب من جوانب الکون والحیاة إلهاً، وکأنّ ربوبیّة العالمین لا یمکن إناطتها بمصدر واحد!! وراحت بعض الاُمم تصنع الآلهة لاُمور جزئیة کالحب والعقل والتجارة والحرب والصید.
إنّ إحياء ذكرى عاشوراء هو للعبرة والإتّعاظ وتوضيح الدرس العملي والتطبيق لآيات كتاب الله الآمرة بالثورة على الحاكم الظالم ولو من موقع إسلامه العام، فمجرد كون الحاكم مسلماً لا يمنع من القيام ضدّه لتصحيح مسار الأمور عندما ينحرف بها عن جادة الإستقامة والهداية والعدل والحق، ولذلك نرى القرآن يصرّح بأن من لم يحكم بما أنزل الله فهو الكافر والفاسق والظالم.
قوله تعالى: روى الحاكم عن جابر قال: دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على فاطمة وعليها كساء من جلد الإبل وهي تطحن، فدمعت عيناه فقال: يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة، فأنزل الله ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ﴾1.
حديث الامام الحسين يمتد مع الزمان الى كل عصر وكل مرحلة، ويمتد مع المكان الى كل موقع وكل مصر، لانه حديث الانسان بما له من تحدي وإرادة، وحديث الانسان بما فيه من ضعف وعجز، والانسان بارادته وبايمانه ويقينه يتحدى كل ضعف وعجز في وجوده أو في كيان الآخرين.